مغالطة التخطيط

planning

د. وائل الشيخ أمين

يقولون: الحب أعمى.
ولا شك أن كل واحد فينا يحب نفسه جداً – وإن أنكر ذلك أحياناً – وهذا الحب يجعلنا للأسف لا نرى أنفسنا على حقيقتها.
نحن نرى أنفسنا دائماً أعظم مما هي عليه !
بالنسبة للأسئلة :

هل تعرف نفسك حق المعرفة؟
هل تعرف شكلك جيداً ؟
هل تعرف قدراتك الحقيقية ؟
هل تستطيع أن تتنبأ بقراراتك التي ستتخذها فيما لو وضعت في موقف معين ؟

 ربما ستتفاجأ لو قلت لك أن جميع تلك الأسئلة لها جواب واحد وهو : لا !
فأنت تتصور نفسك أجمل مما أنت عليه في الحقيقة.
وأنت تبالغ في قدراتك الحقيقية ، أنت في الحقيقة أقل مما تتصور.
وأنت غير قادر على التنبؤ بتصرفاتك وقراراتك فيما لو وضعت في موقف معين!

بالنسبة للتمرين :

فكر في مهمة اساسية يتوجب عليك القيام بها قريباً (إعداد مشروع، تحضير خطاب، قراءة كتاب، تعليم أحد الأبناء منهجاً معيناً ، تعلم مهارة …الخ) كلما كانت المهمة أكثر أهمية بالنسبة لك كان ذلك أفضل.
بعد أن حددت المهمة التي ستقوم بها.

 فإنني أبشرك أنك لن تستطيع أن تنجز مهمتك في الوقت المتوقع الذي قدرته بل سيستغرق معك إنجاز المهمة وقتاً أطول من الوقت الذي قدرته على أنه الوقت المتوقع في أسوأ الحالات …هذا إذا كنت مثل معظم الناس.

في عام 1994 قامت مجموعة من علماء النفس بسؤال طلابهم الذين يقومون بإعداد رسائل الماجستير الأسئلة الثلاثة :

1- متى تتوقع أنك تستطيع إنهاء المهمة فيما لو جرت الأمور على أحسن حال (أقل وقت متوقع) ؟
2- ما هو الوقت المتوقع بشكل دقيق لإنهاء المهمة في الأحوال العادية ؟
3- ما هو الوقت المتوقع لإنهاء المهمة في أسوأ الحوال ؟

قالوا لهم :نريد منكم ثلاثة أرقام:
وقت أدنى ووقت أكثر توقعاً ووقت أقصى لإنهاء رسائل الماجستير، وكان هذا السؤال قبل الانتهاء من وقت تسليم الرسائل بشهرين بالضبط.

كان متوسط الأرقام التي تم تقديمها من الطلاب:
27 يوماً في أفضل الأحوال.
34 يوماً في الأحوال العادية.
49 يوماً في أسوأ الأحوال.

لكن متوسط عدد الأيام التي احتاجها الطلاب فعلياً كان:
55 يوماً !

هذا ما يسمى بمغالطة التخطيط ، فنحن غالباً نعجز عن تقدير قدراتنا وكم نحتاج من الوقت لإنجاز خططنا والأمر الأغرب من ذلك أننا لا نتعلم من دروسنا الماضية فلطالما وضعنا خططاً وفشلنا في إنجازها في وقتها ومع ذلك فنحن دائماً نعتبر هذا الفشل جزءاً من الماضي ونعاود الخطأ من جديد في تحديد حجم قدراتنا مع كا خطة جديدة !
قدراتك أقل مما تتصور !

طبعاً هذا لا يعني أن تكف عن التخطيط إطلاقاً بل يعني أن تكون أكثر واقعية وأن تكون راضياً عندما تتأخر في إنجاز أهدافك ولا تشعر بالإحباط.

فعلماء النفس يعتبرون أن من يستطيع أن ينجز 50% فقط من خططه اليومية ناجحاً وملتزماً!

وللأسف فإن جماعة البرمجة اللغوية العصبية دائماً يضخمون لنا قدراتنا ويشعلون الحماس في داخلنا لدرجة أن نظن أننا قادرون على فعل المعجزات أو ما قاربها، وهم يستعملون في سبيل ذلك قصصاً للناجحين يتم تحويرها بشكل فظيع فيحذفون من القصة كل العوامل الخارجية التي ساعدت الناجح ويضخمون جداً من حجم التغيير الذي قام به ثم يقولون لك: ما دام استطاع هو أن يقوم بهذا التغيير فلماذا لا تستطيع أن تقوم به أنت!

ثم تخرج بعد هذه الجرعة من الحماس لتصطدم بالواقع مرةً بعد أخرى حتى تحبط وتظن أن المشكلة فيك وليست في طبيعتك البشرية.
اطمئن كل البشر كذلك ..

نحن جميعاً عباقرة في التخطيط فاشلون في التنفيذ.
والناجحون هم من يتعاملون مع هذه الطبيعة البشرية فلا يشتتون أنفسهم في أمور كثيرة ولا ييأسون من فشلهم في التنفيذ مرة بعد مرة.

سأتحدث في مقال لاحق إن شاء الله عن جهلنا بشكلنا الحقيقي وتنبؤنا بقراراتنا.

أضف تعليق

قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑